شريط الأخبار

مظاهر التجديد في الفكر الإسلامي

د. يوسف علي فرحات – داعية إسلامي منذ 0 ثانية 4190

تقدم أن أهم النصوص التي تؤصل لفكر التجديد قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: »إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا« [أخرجه أبو داود]، إن عبارة "من يجدد لها دينها" الواردة في الحديث تبين أموراً:

أولاً: التجديد عام للأمة، لا لجماعة معينة في إقليم معين.

ثانياً: التجديد جهد متصل عبر التاريخ، ويحدث في كل وقت يضعف فيه الخير، ويكثر الشر، وتنطمس معالم الشرع.

ثالثاً: الانتفاع بالتجديد لا يقتصر على مؤسسة أو فئة معينة بل يمتد لكل الأمة بكل فئاتها: الشباب والشيوخ، الذكور والإناث، الموظفون والعمال.

رابعاً: التجديد ليس في جزئية واحدة بل في كل الدين "دينها".

ولفظة دين تعنى أمرين:

- الدين بمعنى الوحي المنزل: وهذا قد اكتمل.

- والدين بمعنى الكسب البشرى: وهذا الذي يشمله التجديد، والذي يمكن أن نوجز مظاهره فيما يلي:

أولاً: التجديد في مجال العقيدة:

1. وذلك باعتماد منهج القرآن الكريم والسنة المطهرة، والسلف الصالح في أمر العقيدة والبعد عن اصطلاحات الجدليين والكلاميين .

2. الاهتمام ببيان أثر العقيدة على النفوس: فالعلم بالله والمعرفة بأسمائه وصفاته هي أجل أنواع العلوم، لأنها إذا استقرت في النفوس واستولت على القلوب أثمرت حقائق إيمانية ومعارف وجدانية ووصلت الأرواح بالملأ الأعلى.

3. اعتماد طريقي المعرفة النقلية والعقلية في العقيدة: فالمعرفة النقلية مصدرها الوحي بشقية الكتاب والسنة، والمعرفة العقلية مصدرها الكون بشقيه الطبيعي والبشرى، وذلك وفق قاعدة موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول، ودرء تعارض العقل والنقل.

4. رد الشبهات العقدية الحديثة: والوقوف في وجه التحديات الراهنة مثل الإلحاد، والمادية الجدلية ونحوها، وهذا في الحقيقة إعمال لمنهج السلف الذين جابهوا تحديات عصرهم وزمانهم.

ثانياً: التجديد في علوم التزكية:

وذلك بإحياء الربانية والأخلاق الإيمانية، بعيداً عن شطحات الغلاة الذين حصروا الدين في رسوم معينة، وكيفيات مخصصة، وتوسعوا في جانب الكشف والإلهام.

فالمطلوب أن نتعهد قلوبنا بذكر الله والخشوع لطاعته، وأن هذه القلوب تقسو إذا لم نتعهدها بذكر الله وسلوك الطريق السليم والمنهج المستقيم، حتى لا يخلق الدين في نفوسهم، فتقسو قلوبهم فتكون كالحجارة أو أشد قسوة، قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ المَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [البقرة:74].

ثالثاً: التجديد في مواجهة التحديات المعاصرة عبر الاجتهاد:

إن عصر العولمة وما سبقه من تطور علمي كبير وطفرة هائلة في مجال الاتصالات، ونقلة بينة في مجال الإدارة كل ذلك أوجد تحديات كبيرة متنوعة -أمام الفقه الإسلامي- شملت مجالات الاقتصاد، والسياسة، والعلاقات الدولية، والعلوم الطبيعية، الأمر الذي تطلب معالجة جذرية عبر آلية الاجتهاد.

إن الاجتهاد في عصرنا الحالي لا بديل عنه، غير أنه لابد له من ضوابط أهمها:

- أن يكون تخصصياً: فالعلم الشرعي -كغيره من العلوم- ليس كلأ مباحا لكل من هب ودب، بل علم له أهله: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الأنبياء:7]، وعصرنا قد غلب عليه التخصص، فلا مانع من أن يضطلع أهل كل تخصص في الشرع بتخصصهم ويستفرغوا جهدهم في سبر غوره وحل مشكله وتذليل معضله.

- أن يكون جماعياً: إذ أن وجود العلماء أصحاب العلم الموسوعي قد ندر، إن لم يكن قد انعدم، ولا بد من قيام هيئات جماعية تروى الغلة وتسد الخلة، وهذا بطبيعة الحال لا يتنافى مع الجهد الفردي في الاجتهاد.

- أن يجمع بين الانتقاء والإنشاء: فينتقى من التراث ما وافق الدليل، ويقابل المستجدات بإنشاء البديل.

- أن يجمع بين علم النص والواقع: إذ لا بد لهيئات الاجتهاد من الجمع بين معرفة النصوص الشرعية وأحوال الواقع، حتى يكون الحكم صحيحاً.

- أن يزاوج بين النصوص والمقاصد: فلا يصح حكم شرعي إذا بني على علم بالنص وجهل بالمقصد والمآل.

رابعاً: التجديد في التفاعل الحضاري:

المصطلح القرآني الدفع أو التدافع، والذي سبيله التعايش والتواصل لا التصادم والتصارع، هو السبيل الأمثل للتفاعل الحضاري، فالتدافع حراك فيه تنافس وتسابق بين الحضارات يعدل المواقف الظالمة والممارسات الجائرة والعلاقات المنحرفة دون صراع يبدد الجهود ويصرف الطاقات ويلغى التعددية الحضارية، وفلسفة التدافع هذه منهاج بلوره الوحي في القرآن الكريم ﴿وَلَا تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ [فصلت:34].

إن التجديد الحضاري يستلزم الضوابط التالية:

1. الإيمان بالتعددية الحضارية التشريعية السياسية: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ [الشورى:8].

2. تنمية آفاق التواصل الحضاري، ومن ذلك الإفادة من الحضارات الأخرى فى المنهج العلمي في الكونيات والنظم الإدارية المتقدمة.

3. الاهتمام بعالمية الخطاب الدعوى والسياسي، فالكتابات التي تقدم لغير المسلمين قليلة وينبغي إعطاؤها الاهتمام الملائم لها كما ينبغي أن تعتمد على الحجة العقلية.

 4. النظر في تأسيس فقه الأقليات المسلمة في مجتمع غير المسلمين على قاعدة (لا تكليف إلا بمقدور)، أي على قدر الوسع والطاقة بما يحقق للمسلمين الحفاظ على هويتهم دون انكفاء وتفاعلهم دون ذوبان.

5. التركيز على المنظومة القيمية في علاقاتنا مع الحضارات الأخرى، والقائمة على وحدة الأصل الإنساني، ومنطلق التكريم الإلهي للإنسان، وإحياء مبدأ التعارف، وتعميق الأخوة الإنسانية.

6. التركيز على إظهار القيم الجمالية في الإسلام وربطها بالعقيدة، فقد بسط الخالق سبحانه مظاهر الجمال والزينة في كل أرجاء الكون، من سماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج، وحيوانات ذات جمال ﴿وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ﴾ [النحل:6]، ونباتات ذات بهجة.

7. الاهتمام بإصحاح البيئة، من نبات وحيوان ومصادر مائية وتربة وغلاف جوي ونحوه، وذلك بالتعريف بدور الإنسان في الإخلال بالتوازن الطبيعي، والعمل على نشر الوعي البيئي، وتلمس سبل المحافظة على البيئة التي استخلفنا فيها والقضاء على الآثار الضارة لبعض الصناعات النووية والتجارب الفضائية.

8. وضع المفاهيم في التعامل مع أهل الكتاب في إطارها الشرعي الصحيح بعيداً عن شطط الغلاة، مثل: مفهوم الولاء والبراء، ومستلزمات دار العهد ومواثيقه وإشاعة فقه الرحمة لبعث مكامن الهداية فى نفوسهم.

9. الالتزام الواضح بالحرية وحقوق الإنسان ومشروعية الخلاف الفكري، والتعدد الديني والثقافي ونبذ العنف في العمل السياسي وعدم خلطه بالجهاد.

10. إنشاء مؤسسات متخصصة في الحوار مع الآخر في المجالات الدينية والثقافية والسياسية.

11. مخاطبة الرأي العام العالمي من منطلق إنساني تجاه مآسي المسلمين -بإعلام قوي- والإفادة من ذلك في دفع عجلة الحوار والتفاهم.

12. تشجيع فكرة المواطنة للجاليات الإسلامية في المهجر مع رعاية مستلزماتها.

خامساً: تجديد الدين في المعاملة:

بعد أن يجدد الإنسان الدين في نفسه بذكر الله والخشوع بعبادته، ويخرج عن دائرة قساة القلوب، يجدد معاملته مع الناس من حسن إلى أحسن، مسترشدا بكتاب الله ومهتديا بسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، [انظر: التجديد مفهومه وضوابطه وآفاقه في واقعنا المعاصر، الدكتور: عصام أحمد البشير، و الأساس الإسلامي للتجديد وضوابطه، الشيخ الأمين عثمان الأمين، مفتى الديار - إريتريا، بتصرف].

مقالات مشابهة

مظاهر التجديد في الفكر الإسلامي

منذ 0 ثانية

د. يوسف علي فرحات – داعية إسلامي

النظرة سهم من سهام إبليس فاحذر على قلبك منها

منذ 21 دقيقة

شبكة مساجدنا الدعوية – فلسطين

خصائص الفكر الإسلامي

منذ 52 دقيقة

د. يوسف علي فرحات

الوسطية والاعتدال

منذ 1ساعة

د. يوسف علي فرحات – داعية إسلامي

الوسائط

هدفنا الارتقاء بأداء العاملين في إدارة المساجد وتطوير الأنشطة المسجديةإقرء المزيد عنا

كُن على تواصل !!

آخر الأخبار

مظاهر التجديد في الفكر الإسلامي

منذ 0 ثانية4190
أهمية التخصص وحض النبي -صلى الله عليه وسلم- عليه

منذ 2 دقيقة4130
ما حكم الصدقة على السائلين في المسجد؟

منذ 3 دقيقة4912
Masjedna © Copyright 2019, All Rights Reserved Design and development by: Ibraheem Abd ElHadi