شريط الأخبار

الحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ

د. محمد كمال سالم - خطيبٌ بوَزارةِ الأَوْقَافِ منذ 0 ثانية 2809

إِنَّ الحَيَاءَ هُوَ انْقِبَاضُ النَّفْسِ عَنْ إِتْيَانِ أَمْرٍ مَخَافةَ الذَّمِّ، أَوْ هُوَ: خُلُقٌ حَمِيدٌ حَسَنٌ يَبْعَثُ عَلَى تَرْكِ القَبِيحِ، وَيَمْنَعُ مِنَ التَّقْصِيرِ فِي حَقِّ ذِي الحَقِّ، وَهُوَ خُلُقٌ يَدُلُّ عَلَى حُسْنِ الطَّوِيَّةِ، وَهُوَ مِنَ الإِيمَانِ، وَالإِيمَانُ عَقِيدَةُ المُؤْمِنِ وَقَوَامُ حَيَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ بَاعِثٌ عَلَى الخَيْرِ، نَاهٍ عَنِ الشَّرِّ، فَهُوَ خَيْرٌ كُلُّهُ، وَلَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ، وَكَمَا أَنَّهُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ؛ فَإِنَّ البَذَاءَ -وَهُوَ فُحْشُ الكَلَامِ- مِنَ النِّفَاقِ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ العَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا.

قَالَ ابْنُ القَيِّمِ: خُلُقُ الحَيَاءِ مِنْ أَفْضَلِ الأَخْلَاقِ وَأَجَلِّهَا، وَأَعْظَمِهَا قَدْرًا، وَأَكْثَرِهَا نَفْعًا، بَلْ هُوَ خَاصَّةُ الإِنْسَانِيَّةِ، فَمَنْ لَا حَيَاءَ فِيهِ فَلَيْسَ مَعَهُ مِنَ الإِنْسَانِيَّةِ إِلَّا اللَّحْمُ وَالدَّمُ وَصُورَتُهُمَا الظَّاهِرَةُ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ مِنَ الخَيْرِ شَيْءٌ.

وَلَا بُدَّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَسْتَحْيِيَ مِنْ ثَلَاثَةٍ: اللهِ تَعَالَى، وَنَفْسِهِ، وَالنَّاسِ، فَلَا يُرَى إِلَّا عَلَى أَمْرٍ حَسَنٍ، فَأَمَّا حَيَاؤُهُ مِنَ اللهِ تَعَالى: فَيَكُونُ بِامْتِثَالِ أَوَامِرِهِ وَالكَفِّ عَنْ زَوَاجِرِهِ، وَأَمَّا حَيَاؤُهُ مِنَ النَّاسِ: فَيَكُونُ بِكَفِّ الأَذَى، وَتَرْكِ المُجَاهَرَةِ بِالْقَبِيحِ، وَأَمَا حَيَاؤُهُ مِنْ نَفْسِهِ: فَيَكُونُ بِالْعِفَّةِ، وَصِيَانَتِهَا فِي الخَلَوَاتِ.

قَالَ الرَّاغِبُ: حَقُّ الإِنْسَانِ إِذَا هَمَّ بِقَبِيحٍ أَنْ يَتَصَوَّرَ أَحَدًا مِنْ نَفْسِهِ كَأَنَّهُ يَرَاهُ، فَالإِنْسَانُ يَسْتَحِي مِمَّنْ يَكْبُرُ فِي نَفْسِهِ، وَلِذَلِكَ لَا يَسْتَحِي مِنَ الحَيَوَانِ، وَلَا مِنَ الأَطْفَالِ، وَلَا مِنَ الذِينَ لَا يُمَيِّزُونَ، وَيَسْتَحِي مِنَ العَالِمِ أَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَحِي مِنَ الجَاهِلِ، وَمِنَ الجَمَاعَةِ أَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَحِي مِنَ الوَاحِدِ، وَمَنْ اسْتَحَى مِنَ النَّاسِ وَلَمْ يَسْتَحْيِ مِنْ نَفْسِهِ فَنَفْسُهُ عِنْدَهُ أَخَسُّ مِنْ غَيْرِهِ، وَمَنْ اسْتَحَى مِنْهَا وَلَمْ يَسْتَحِ مِنَ اللهِ فَلِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ بِاللهِ تَعَالى.

عَنْ سَعِيدِ بِنِ يَزِيدَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَوْصِنِي، قَالَ: «أُوصِيكَ أَنْ تَسْتَحِيَ مِنَ الله كَمَا تَسْتَحِي مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ مِنْ قَوْمِكَ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي كِتَابِ الزُّهْدِ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ].

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: فَالْعَبْدُ إِذَا اسْتَحَى مِنْ رَبِّهِ اسْتِحْيَاءَهُ مِنْ رَجُلٍ صَالِحٍ مِنْ قَوْمِهِ تَجَنَّبَ جَمِيعَ المَعَاصِي الظَّاهِرَةِ وَالبَاطِنَةِ، فَيَا لَهَا مِنْ وَصِيَّةٍ مَا أَبْلَغَهَا، وَمَوْعِظَةٍ مَا أَجْمَعَهَا.

إِنَّ الحَيَاءَ خُلُقٌ رَفِيعٌ سَامٍ يَدْعُو إِلَى تَرْكِ القَبَائِحِ، وَيَمْنَعُ مِنَ التَّكَاسُلِ فِي أَدَاءِ الوَاجِبَاتِ وَالتَّقْصِيرِ فِي الحُقُوقِ، وَلِهَذَا فَلَا عَجَبَ أَنْ يَتَوَارَثَ النَّاسُ عَنِ الأَنْبِيَاءِ المُتَقَدِّمِينَ قَوْلَهُمْ: إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ، فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الأُولَى: إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ» [رَوَاهُ البُخَارِيُّ].

فَمَنْ لَمْ يَسْتَحِ مِنَ اللهِ تَعَالى أَوْ مِنَ النَّاسِ أَوْ مِنْ نَفْسِهِ صَنَعَ مَا شَاءَ، فَإِنَّ المَانِعَ مِنْ فِعْلِ القَبَائِحِ هُوَ الحَيَاءُ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَيَاءٌ انْغَمَسَ فِي الفَوَاحِشِ وَالمُنْكَرَاتِ.

فَلَا بُدَّ مِنَ الحَيَاءِ فِي الأَحْوَالِ كُلِّهَا، فِي المَأْكَلِ وَالمَشْرَبِ وَالمَلْبَسِ وَالزِّينَةِ وَتَصْفِيفِ الشَّعَرِ وَالمِشْيَةِ وَالكَلَامِ.. إلخ، وَقَدْ كَثُرَتْ الأَحَادِيثُ فِي مَدْحِ الحَيَاءِ، وَالحَثِّ عَلَيْهِ، وَبَيَانِ مَنْزِلَتِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنْ النَّاسِ» [رَوَاهُ البُخَارِيُّ]، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الحياءِ»، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالحَمْدُ لِلَّهِ، قَالَ: «لَيْسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْتَذْكُرِ المَوْتَ وَالبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الحَيَاءِ» [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ]، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ حَلِيمٌ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ، يُحِبُّ الحَيَاءَ وَالسَّتْرَ، فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمُ فَلْيَسْتتِرْ» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ]، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الحَيَاءُ لا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ، أَوْ: بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، أَعْلاهَا شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].

مقالات مشابهة

الحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ

منذ 0 ثانية

د. محمد كمال سالم - خطيبٌ بوَزارةِ الأَوْقَافِ

العَالِمُ.. بَيْنَ جِنَايَةِ التَّعْرِيفِ وَصَوَادِحِ الوَاقِعِ!

منذ 1دقيقة

أ‌. محمد علي عوض - خطيبٌ بِوَزَارَةِ الأَوْقَافِ

الهَزِيمَةُ النَّفْسِيَّةُ.. أَسْبَابٌ وَحُلُولٌ

منذ 8 دقيقة

أ. محمد ناصر الثوابتة - خطيب بوَزارة الأوقاف

الإِرْشادُ الأُسَرِيُّ فِي الإِسْلامِ

منذ 12 دقيقة

أ. أحمد عليان عيد - خطيب بوَزارة الأوقاف

الوسائط

هدفنا الارتقاء بأداء العاملين في إدارة المساجد وتطوير الأنشطة المسجديةإقرء المزيد عنا

كُن على تواصل !!

آخر الأخبار

الحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ

منذ 0 ثانية2809
مشروع مكتبة البيت المسلم

منذ 19 ثانية3190
فعاليات متعددة .. ساهم معنا في نصرة المسجد الأقصى

منذ 1دقيقة5349
Masjedna © Copyright 2019, All Rights Reserved Design and development by: Ibraheem Abd ElHadi