شريط الأخبار

إلَّا اخْتارَ أصْعَبَهُما!

نور رياض عيد - خطيبٌ بوَزارةِ الأوْقاف منذ 0 ثانية 2893

رَغْمَ شُهْرَةِ الحَدِيثِ الذِي تَقُولُ فِيهِ أُمُّ المُؤْمِنِينَ عائِشَةُ -رضِيَ اللهُ عَنْها-: »مَا خُيِّرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَأْثَمْ، فَإِذَا كَانَ الإِثْمُ كَانَ أَبْعَدَهُمَا مِنْهُ« [رواه البخاري]، إلَّا أنَّكَ تَجِدُ أنَّ دَيْدَنَ عَدَدٍ كَبِيْرٍ مِنْ المُسْلِمِينَ اليَوْمَ أنَّهُم ما خُيِّرُوا بَيْنَ أمْرَيْنِ أوْ رَأْيَيْنِ فِقْهِيَّيْنِ إلَّا اخْتارُوا أصْعَبَهُما، ويَسْنِدُونَ اخْتِياراتِهم لِمُبَرِّراتٍ يَرَوْنَها مُقْنِعةً، كَقَوْلِهم: نَخْتارُ الأحْوَطَ، ونَتَوَرَّعُ عَن الشُّبُهاتِ، ونُغَلِّبُ سَدَّ الذَّرائِعِ، كَما أنَّهُم لا يَكْتَفُونَ بِذَلِكَ بَلْ يُهاجِمُونَ الآخِذَ بِالأَيْسَرِ ويَعْتَبِرُونَهُ مُمَيِّعًا لِلْدِّيْنِ، ومُضَيِّعًا لِحُدُوْدِهِ.

ولَيْسَ هذا الكَلامُ يَسْرِي فِي أوْساطِ المُخْتَصِّينَ بِالْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ فَحَسْبُ، بَلْ فِي أوْساطِ عامَّةِ المُسْلِمِينَ، لِذَلِكَ تَجِدُ لِلْرَّأْيِ المُشَدِّدِ سُرْعةً فِي الانْتِشارِ والتَّبَنِّي أحْيانًا، ونَحْنُ بِحاجةٍ لِدِراساتٍ نَفْسِيَّةٍ واجْتِماعِيَّةٍ وشَرْعِيَّةٍ مُعَمَّقةٍ لِتَحْلِيلِ هذه القَضِيَّةِ، والتَّعَرُّفِ عَلى الأسْبابِ التِي تَقِفُ وَراءَها، وهِيَ قَضِيِّةٌ جَدِيرةٌ بِالْاهْتِمامِ؛ لأنَّها أحَدُ العَوامِلِ التِي جَعَلَتِ البُلْدانَ الإسْلامِيَّةَ أرْضًا خَصْبةً لِلْعُنْفِ والتَّطَرُّفِ.

ونَتَساءَلُ اليَوْمَ -كَما تَساءَلَ الإمامُ ابْنُ حَزْمٍ قَدِيمًا-: ما الذِي جَعَلَ الأحْوَطَ -أيْ الأصْعَبَ- هُوَ الأَوْلى بِالْأَخْذِ فِي مُعْظَمِ المَسائِلِ الفِقْهِيَّةِ؟ رُبَما يَقُولُ قائِلٌ: نُغَلِّبُ التَّحْرِيمَ احْتِياطًا، نَسْألُهُ: ولِمَ لا تُغَلِّبُونَ التَّحْلِيلَ تَيْسِيرًا؟ وهل احْتِياطُ المَرْءِ لِدِينِهِ يَقْتَضِي مِنْهُ أنْ يُحَرِّمَ عَلى النَّاسِ ما أحَلَّ اللهُ عَزَّ وجَلَّ؟.

مِنَ المُسْتَهْجَنِ أنْ تَجِدَ بَعْضَ هَؤُلاءِ المائِلِينَ لِلْتَّشَدُّدِ يُشَدِّدُ عَلى النَّاسِ، لَكِنْ حِيْنَما يَتَعَلَّقُ الأمْرُ بِهِ فَإنَّهُ يَخْتارُ الأيْسَرَ، وإنْ أرَدْنا الدِّقَّةَ فإنَّه يَخْتارُ الأقْرَبَ لِهَواهُ ومَصْلَحَتِهِ، مَعَ أنَّ سَيِّدَنا رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ أرْسى لَنا قاعِدَةً مَفادُها إنْ كُنْتَ مائِلًا لِلْأَصْعَبِ، فَلْيَكُنْ عَلى نَفْسِك، وخَفِّفْ عَلى النَّاسِ، حيق قال النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ، فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ مِنْهُمُ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَالكَبِيرَ، وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ» [رواه البخاري].

والأَسْوَأُ مِنْ ذَلِكَ أنْ تَجِدَ بَعْضَ المُفْتِينَ يَخْتارُ أصْعَبَ الآراءِ إذا تَعَلَّقَ الأمْرُ بِجَماهِيرِ المُسْلِمِينَ، بَلْ تَراهُ يَسْلُقُهُم بِلِسانٍ حادٍّ، لَكِن إذا تَعَلَّقَ الأمْرُ بِالْحاكِمِ الطَّاغِيَةِ يَبْدَأُ بَعْضُ هَؤُلاءِ بِالْتَّبْرِيرِ والتَّخْرِيجِ والتَّيْسِيرِ، وإلْباسِ أخْطاءِ الحاكِمِ اللِّباسَ الشَّرْعِيَّ، وكَمْ ثَرَّبَ هَؤُلاءِ وشَدَّدُوا عَلى عامَّة المُسْلِمِينَ فِي بَعْضِ المَسائِلِ كَالْلِّحْيَةِ، وتَقْصِيْرِ الثَّوْبِ، والنِّقابِ، والمُوْسِيْقى، وغَيْرِها، لَكِنَّهم صَمَتُوا صَمْتَ القُبُورِ أمامَ خِيانَةِ الحُكَّامِ، وسَرِقَتِهم لِأَمْوالِ الأُمَّةِ، ومُداهَنَةِ الصَّهايِنةِ، والفَسادِ.

وهُناكَ أمْرٌ آخَرُ يَحْسُنُ التَّنْوِيهُ عَلَيْهِ وهُوَ أنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْلَّائِقِ أنْ تَخْتارَ الأحْوَطَ فِي مَجالِ العِباداتِ الشَّعائِرِيَّةِ، لَكِنَّكَ تَقْبَلُ لِنَفْسِكِ بِانْتِهاكِ حُقُوقِ الآخَرِينَ، والوُلُوغِ فِي أعْراضِهِم وأمْوالِهِم؛ مُعْتَبِرًا نَفْسَكَ آخِذًا بِالْأيْسَرِ، فَالْمُفْتَرَضُ أنْ نَتَوَرَّعَ كُلَّ الوَرَعِ فِي حُقُوقِ العِبادِ؛ لِأَنَّها مِنَ الذُّنُوبِ ذاتِ الخَطَرِ الكَبِيرِ عِنْدَ اللهِ، حيث يقول رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي جُمْلةِ الحَدِيثِ عَنْ ذَلِكَ: «يَغْفِرُ اللهُ لِلْشَّهِيدِ كُلَّ ذَنْبٍ إلَّا الدَّيْنَ» [رواه مسلم]؛ فالدَّيْنُ يتعلَّقُ بِحُقُوقِ العِبادِ.

مقالات مشابهة

إلَّا اخْتارَ أصْعَبَهُما!

منذ 0 ثانية

نور رياض عيد - خطيبٌ بوَزارةِ الأوْقاف

حوار خاص مع د. خالد أبو شادي - داعية إسلامي

منذ 0 ثانية

شبكة مساجدنا الدعوية - فلسطين

وَحْدَةُ الصَّفِّ.. فَرِيضَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَضَرُورَةٌ وَطَنِيَّةٌ

منذ 1ثانية

أ. بلال يوسف اللحام - خَطيبٌ بِوَزارةِ الأَوْقاف

الخَوْفُ مِنَ اللهِ أَصْلُ كُلِّ خَيْرٍ

منذ 2 ثانية

شبكة مساجدنا الدعوية – فلسطين

الوسائط

هدفنا الارتقاء بأداء العاملين في إدارة المساجد وتطوير الأنشطة المسجديةإقرء المزيد عنا

كُن على تواصل !!

آخر الأخبار

إلَّا اخْتارَ أصْعَبَهُما!

منذ 0 ثانية2893
حوار خاص مع د. خالد أبو شادي - داعية إسلامي

منذ 0 ثانية4306
الإمامة مش دقارة!

منذ 0 ثانية3165
Masjedna © Copyright 2019, All Rights Reserved Design and development by: Ibraheem Abd ElHadi