شريط الأخبار

"وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِّسَانِي"

أ. نصر فحجان - خطيبٌ بِوَزَارَةِ الأَوْقَافِ منذ 0 ثانية 10132

يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ﴿اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى، قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي، وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي، يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾ [طه:24-28]، هُنَاكَ أَسْئِلَةٌ مَنْطِقِيَّةٌ سُرْعَانَ مَا تَتَبَادَرُ إِلَى الذِّهْنِ عِنْدَ سَمَاعِنَا هَذِهِ الآيَاتِ، مِثْلَ:

- مَا العُقْدَةُ التِي يَتَحَدَّثُ عَنْهَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ؟

- هَلْ كَانَ فِي لِسَانِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ شَيْءٌ يُعِيقُ النُّطْقَ عِنْدَهُ؟

- هَلْ كَانَ فِي لِسَانِهِ لَثْغَةٌ أَوْ رُتَّةٌ أَوْ عَيْبٌ فِي النُّطْقِ؟

- لِمَاذَا تَحَدَّثَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ عُقْدَةٍ فِي لِسَانِهِ بَعْدَ تَكْلِيفِهِ بِالذَّهَابِ إِلَى فِرْعَوْنَ؟

- بِدَايَةً أَقُولُ:

إِنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَاشَ فِي مِصْرَ سَنَوَاتٍ طَوِيلَةً لَمْ يَظْهَرْ فِيهَا أَنَّهُ يُعَانِي مِنْ مُشْكِلَةٍ فِي الكَلَامِ، أوْ مِنْ (عُقْدَةٍ) فِي اللِّسَانِ، وَلَمْ يَحْدُثْ مُطْلَقًا أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَشْكُو مِنْ عُقْدَةٍ فِي لِسَانِهِ، أَوْ مِنْ عَيْبٍ فِي النُّطْقِ عِنْدَهُ، وَلَوْ كَانَ هَذَا مَوْجُودًا لَعَرَفْنَاهُ مِنْ حَيَاةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَبْلَ التَّكْلِيفِ بِالذَّهَابِ إِلَى فِرْعَوْنَ.

- مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَاشَ خَارِجَ مِصْرَ فِي مَدْيَنَ مُدَّةً لَا تَقِلُّ عَنْ عَشْرِ سِنِينَ لَمْ يَظْهَرْ فِيهَا أَنَّهُ كَانَ يُعَانِي مِنْ عُقْدَةٍ فِي لِسَانِهِ، بَلْ كَانَ يَتَكَلَّمُ مَعَ الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَتَا تَسْقِيَانِ بِطَرِيقَةٍ عَادِيَّةٍ لَمْ يَظْهَرْ لَنَا فِيهَا أَنَّهُ كَانَ يُعَانِي مِنْ عُقْدَةٍ فِي لِسَانِهِ، أَوْ مِنْ مُشْكِلَةٍ فِي النُّطْقِ، وَكَانَ أَيْضًا يَتَكَلَّمُ مَعَ الشَّيْخِ الكَبِيرِ -وَالِدِ زَوْجَتِهِ- بِكُلِّ سَلَاسَةٍ وَبِلَا أَيِّ مُشْكِلَاتٍ، وَكَانَ يَدْعُو رَبَّهُ سُبْحَانَهُ يَتَضَرَّعُ إِلَيْهِ بِلُغَةٍ وَلِسَانٍ لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَشْكُو مِنْ عُقْدَةٍ أَوْ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ.

- الرِّوَايَةُ التِي تَتَحَدَّثُ عَنْ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمْسَكَ فِي صِغَرِهِ بِجَمْرَةٍ وَحَمَلَهَا إِلَى لِسَانِهِ فَحَرَقَتْهُ رِوَايَةٌ لَا أَصْلَ لَهَا، وَلَا يُمْكِنُ الاعْتِمَادُ عَلَيْهَا أَوِ الأَخْذُ بِهَا، وَنَحْنُ نَتَحَدَّثُ عَنْ نَبِيٍّ كَرِيمٍ يُوْحِي لَهُ اللهُ وَيُكَلِّمُهُ تَكْلِيمًا.

- مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ تَحَدَّثَ عَنِ العُقْدَةِ فِي لِسَانِهِ فَقَطْ بَعْدَ تَكْلِيفِ اللهِ لَهُ بِالذَّهَابِ إِلَى فِرْعَوْنَ الذِي طَغَى، وَهَذَا يَجْعَلُنَا نَذْهَبُ إِلَى أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَحَسَّ بِهَذِهِ المُشْكِلَةِ بَعْدَ هَذَا التَّكْلِيفِ فَقَطْ، وَذَلِكَ لِأَسْبَابٍ:

أَوَّلاً: ثِقَلُ المَسْئُولِيَّةِ التِي كَلَّفَهُ اللهُ بِهَا، حَيْثُ إِنَّ مُوسَى سَيَذْهَبُ إِلَى فِرْعَوْنَ الطَّاغِيَةِ الذِي يَدَّعِي الأُلُوهِيَّةَ وَيَسْتَبِيحُ الدِّمَاءَ وَيُذَبِّحُ الأَبْنَاءَ وَيَسْتَحْيِي النِّسَاءَ، لِذَا نَجِدُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ: ﴿وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي﴾ [الشُّعَرَاء:13] فِي إِشَارَةٍ إِلَى صُعُوبَةِ المَوْقِفِ، وَالذِي سَيَجْعَلُهُ ضَيِّقَ الصَّدْرِ مَعْقُودَ اللِّسَانِ أَمَامَ فِرْعَوْنَ.

ثَانِيًا: خَوْفُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ مُعَاقَبَةِ فِرْعَوْنَ لَهُ بِالْقَتْلِ؛ بِسَبَبِ قَتْلِهِ لِرَجُلٍ مِنْ أَقْبَاطِ مِصْرَ جَعَلَهُ يَشْعُرُ بِانْعِقَادِ لِسَانِهِ إِذَا وَقَفَ أَمَامَ فِرْعَوْنَ يُخَاطِبُهُ، وَفِي هَذَا يَقُولُ اللهُ تَعَالى عَلَى لِسَانِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ وَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونَ﴾ [الشُّعَرَاء:14]، فَهُوَ إِذَنْ يَحْسِبُ حِسَابًا لِمُلَاقَاةِ فِرْعَوْنَ، وَهَذَا يَجْعَلُهُ خَائِفًا مُتَوَجِّسًا مَعْقُودَ اللِّسَانِ.

ثَالِثًا: غِيَابُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كُلَّ هَذِهِ الفَتْرَةِ عَنْ مِصْرَ جَعَلَهُ يَنْسَى كَثِيرًا مِنْ لُغَةِ فِرْعَوْنَ (الهِيرُوغليفيَّةِ) وَقَوَاعِدِهَا، حَيْثُ إِنَّ لُغَةَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ هِيَ لُغَةُ قَوْمِهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَهَذَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَجْعَلَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ يَشْعُرُ بِانْعِقَادِ لِسَانِهِ وَعَدَمِ انْطِلَاقِهِ بِلُغَةِ الفَرَاعِنَةِ التِي تَرَكَهَا مَا لَا يَقِلُّ عَنْ عَشْرِ سَنَوَاتٍ، لِذَا نَجِدُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ: ﴿وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي﴾ [القَصَص:34]، وَهَذَا يَعْنِي أَنَّ هَارُونَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَكْثَرُ فَصَاحَةً وَإِتْقَانًا لِلُغَةِ الفَرَاعِنَةِ بِحُكْمِ بَقَائِهِ فِي مِصْرَ.

رَابِعًا: اتِّهَامُ فِرْعَوْنَ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَنَّهُ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ يُؤَكِّدُ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَكُنْ يُتْقِنُ التَّكَلُّمَ بِلُغَةِ الفَرَاعِنَةِ فِعْلًا، وَهُوَ مَا جَعَلَ فِرْعَوْنَ يَعْتَبِرُ هَذَا نُقْطَةَ ضَعْفٍ لَدَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَحَاوَلَ تَشْوِيهَ صُورَتِهِ فِي عُقُولِ النَّاسِ، وَفِي هَذَا يَقُولُ اللهُ تَعَالى عَلَى لِسَانِ فِرْعَوْنَ: ﴿أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ﴾ [الزُّخْرُف:52]، فَهُوَ لاَ يَكَادُ يُبِينُ، أَيْ أَنَّهُ لَا يُحْسِنُ التَّكَلُّمَ بِلُغَةِ النَّاسِ فِي مِصْرَ وَالإِبَانَةِ عَنِ الأَفْكَارِ بِلُغَةٍ سَلِيمَةٍ وَلِسَانٍ قَوِيمٍ.

خُلَاصَةُ القَوْلِ:

مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ نَبِيٌّ رَسُولٌ وَجِيهٌ كَامِلُ الجِسْمِ وَالعَقْلِ، وَلَا يَجُوزُ الانْتِقَاصُ مِنْهُ وَإِيذَاؤُهُ كَمَا فَعَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ، يَقُولُ اللهُ تَعَالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهًا﴾ [الأَحْزَاب:69].

مقالات مشابهة

"وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِّسَانِي"

منذ 0 ثانية

أ. نصر فحجان - خطيبٌ بِوَزَارَةِ الأَوْقَافِ

مسيرةُ العوْدةِ بين الغاياتِ العِظامِ والتضحياتِ الجسامِ

منذ 1ثانية

د. شادي حمزة طبازة - خطيب بوزارة الأوقاف

الإِمامُ حَسَنُ البَنَّا مُجَدِّداً

منذ 2 ثانية

د. يوسف علي فرحات - خطيبٌ بوَزارةِ الأوْقاف

الهَزِيمَةُ النَّفْسِيَّةُ.. أَسْبَابٌ وَحُلُولٌ

منذ 3 ثانية

أ. محمد ناصر الثوابتة - خطيب بوَزارة الأوقاف

الوسائط

هدفنا الارتقاء بأداء العاملين في إدارة المساجد وتطوير الأنشطة المسجديةإقرء المزيد عنا

كُن على تواصل !!

آخر الأخبار

"وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِّسَانِي"

منذ 0 ثانية10132
مسيرةُ العوْدةِ بين الغاياتِ العِظامِ والتضحياتِ الجسامِ

منذ 1ثانية2985
مسجد السلام - القرارة

منذ 1ثانية5068
Masjedna © Copyright 2019, All Rights Reserved Design and development by: Ibraheem Abd ElHadi