شريط الأخبار

عَلامَاتُ القُرْبِ مِنَ اللهِ

أ. سليم محسن الشرفا - خطيبٌ بِوَزارةِ الأَوْقافِ منذ 0 ثانية 2935

مِنْ كَرَمِ اللهِ تَعَالى عَلى عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ أَنَّهُ قَرِيبٌ مِنْهُمْ، وَمُطَّلِعٌ عَلَيْهِمْ، وَيَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَجَهْرَهُمْ، وَلَا يُعْجِزُهُ أَمْرُهُمْ؛ فَهُوَ سُبْحَانَهُ القَادِرُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ، قَالَ تَعَالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ [ق:16]، فَفِي هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ يُدَلِّلُ اللهُ تَعَالى عَلَى مَدَى قُرْبِهِ مِنَ الخَلْقِ، فَهُوَ أَقْرَبُ إِلَيْهِمْ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ، أَقْرَبُ إِلَيْهِمْ مِنْ عُرُوقِ الدِّمَاءِ التِي تَسِيلُ فِي أَجْسَادِهِمْ، فَقُرْبُ اللهِ مِنْ عِبَادِهِ رَحْمَةٌ وَعَفْوٌ وَرِضَىً وَتَوْفِيقٌ لِعِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ، وَلَقَدْ ذَكَرَ اللهُ تَعَالى أَنَّهُ قَرِيبٌ مِنْ عِبَادِهِ فِي حَيَاتِهِمْ وَمَمَاتِهِمْ، فَقَالَ تَعَالى: ﴿فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَٰكِن لَّا تُبْصِرُونَ﴾ [الواقعة:83-84]، فَيَا لَهَا مِنْ آيَاتٍ عَظِيمَةٍ، وَيَا لَهُ مِنْ رَبٍّ كَرِيمٍ قَرِيبٍ مِنَ النَّاسِ فِي حَيَاتِهِمْ وَمَمَاتِهِمْ، مَعَهُمْ فِي سَعَادَتِهِمْ وَحُزْنِهِمْ، فِي كُلِّ دَقِيقَةٍ مِنْ حَيَاتِهِمْ.

وَهُنا لا بُدَّ مِنَ الإِشَارَةِ إِلَى عَلامَاتِ قُرْبِ العَبْدِ مِنْ رَبِّهِ، وَكَيْفَ يُقَابِلُ العَبْدُ المُؤْمِنُ قُرْبَ اللهِ مِنْهُ بِقُربِهِ مِنَ اللهِ تَعَالى الذي جَعَلَ "القَرِيبَ" مِنْ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، من علامات القرب من الله:

1. الدُّعَاءُ: قَالَ تَعَالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة:186]، فَفِي هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ يُبَشِّرُنَا رَبُّنا تَبَارَكَ وَتَعَالى أَنَّهُ قَرِيبٌ مِمَّنْ يَدْعُوهُ، وَأَنَّ العَبْدَ بِدُعَائِهِ وَدُمُوعِهِ وَمُنَاجَاتِهِ لِرَبِّهِ إِنَّمَا هُوَ يَقْتَرِبُ مِنَ اللهِ جَلَّ فِي عُلاهُ الذِي أَمَرَ عِبَادَهُ بِالْدُّعَاءِ وَتَكَفَّلَ بِالإِجَابَةِ، فَقَالَ تَعَالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر:60]، فَيَا مَنْ تُرِيدُ القُرْبَ مِنَ اللهِ لا تَتَرَدَّدَ بِالدُّعَاءِ وَرَفْعِ اليَدَيْنِ وَالطَّلَبِ مِنَ اللهِ وَالإِلْحَاحِ عَلَيْهِ، فَإِنَّكُمْ تَدْعُونَ رَبَّاً كَرِيمَاً عَظِيمَاً سَمِيعَاً مُجِيبَاً.

2. الصَّلاةُ: إِنَّ الصَّلاةَ هِيَ بِسَاطُ القُرْبِ مِنَ اللهِ، وَهِيَ مَوَاعِيدُ ثَابِتَةٌ يَلْتَقِي فِيهَا العَبْدُ بِقَلْبِهِ وَعَقْلِهِ مَعَ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الذِي قَالَ فِي كِتَابِهِ العَزِيزِ: ﴿كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب﴾ [العَلَق:19]، فَمَنْ يُرِيدُ القُرْبَ مِنَ اللهِ تَعَالى، عَلَيْهِ المُحَافَظَةَ عَلى صَلاتِهِ المَكْتُوبَةِ وَأَنْ يُؤَدِّيَها فِي وَقْتِها، فَهَذِهِ مَوَاعِيدُ مَعَ اللهِ، لا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُقَصِّرَ بِهَا خُصُوصَاً بَعْدَ انْقِضَاءِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَلَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «أقربُ مَا يَكونُ العبْدُ مِن ربِّهِ وَهَو ساجدٌ، فَأَكثِرُوا الدُّعاءَ» [رواه مسلم]، فَهَذَا دَلِيلٌ آخَرُ عَلى مَدَى أَهَمِّيَّةِ الصَّلاةِ وَالمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا فِي قُرْبِ العَبْدِ مِنَ اللهِ تَعَالى.

3. التَّوْبَةُ: فَالتَّائِبُونَ العَابِدُونَ العَائِدُونَ إِلَى اللهِ هُمْ أَهْلُ قُرْبٍ، عَرَفُوا فَضْلَ الطَّاعَةِ وَأَنْكَرُوا عَلَى أَنْفُسِهِمُ المَعْصِيَةَ وَنَدِمُوا عَلَى ذُنُوبٍ أَثْقَلَتْهُمْ فَأَكْثَرُوا مِنَ التَّوْبَةِ حَتَّى شَعَرُوا بِقُرْبِهِمْ مِنَ اللهِ تَعَالى القَائِلِ فِي كِتَابِهِ العَزِيزِ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ صَالِحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ﴾ [هود:61]، فَهَذِهِ الآيَةُ تُخْبِرُنَا أَنَّ اللهَ قَرِيبٌ مِنَ المُسْتَغْفِرِينَ التَّائِبِينَ، وَأَنَّهُ تَعَالى يُقْبِلُ عَلَى عَبْدِهِ التَّائِبِ فَيَغْفِرُ لَهُ وَيَرْحَمُهُ، وَلَقَدْ أَمَرَ اللهُ عِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ بِضَرُورَةِ التَّوْبَةِ النَّصُوحِ التِي لا عَوْدَةَ بَعْدَها لِلْذَّنْبِ وَالمَعْصِيَةِ وَمُبَارَزَةِ اللهِ بِذُنُوبِ الخَلَوَاتِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ [التحريم:8].

4. الإِحْسَانُ: قَالَ تَعَالى: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الأعراف:56]، وَلَقَدْ عَرَّفَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الإِحْسَانَ عَلَى لِسَانِ جِبْرِيلَ -عَلَيْهِ السَّلامُ- بـِأَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ، وَهُنَا يَنْبَغِي عَلَى المُسْلِمِ أَنْ يُرَاقِبَ اللهَ تَعَالى فِي السِّرِّ وَالعَلَنِ، وَأَنْ لا يَعْصِيَ اللهَ فِي الخَلَوَاتِ وَأَنْ لا يَنْسَى أَنَّ اللهَ قَرِيبٌ مِنْهُ وَيَطَّلِعُ عَلَيْهِ وَيُرَاقِبُ مَا يَفْعَلُهُ، فَبَعْضُ النَّاسِ يُكْرِمُهُمُ اللهُ بِالطَّاعَةِ ثُمَّ تَذْهَبُ أَعْمَالُهُمْ أَدْرَاجَ الرِّيَاحِ بِسَبَبِ ذُنُوبِ الخَلَوَاتِ، فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ قَرِيبَاً مِنَ اللهِ وَأَنْ تَشْعُرَ بِذَلِكَ فَكُنْ دَائِمَاً عَلَى طَاعَةٍ، وَاحْذَرْ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ قَالَ اللهُ فِيهِمْ: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ [الكهف:103-104].

أَيُّها الأَحْبَابُ.. هَا نَحْنُ وَضَعْنَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ بَعْضَ عَلامَاتِ القُرْبِ مِنَ اللهِ تَعَالى، فَمَنْ يُرِيدُ رَحْمَةَ اللهِ وَجَنَّتَهُ وَرِضْوَانَهُ فَلا يَتْرُكِ العِبَادَةَ وَالطَّاعَةَ، وَلِيَحْرِصْ عَلَى مَا يُقَرِّبُهُ مِنَ اللهِ تَعَالى، قال تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران:133].

مقالات مشابهة

دَاءُ مَجمُوعَاتِ التَّوَاصُلِ

منذ 0 ثانية

د. محمد سليمان الفرا - خطيبٌ بِوَزَارَةِ الأَوْقَافِ

خَيْرُ النَّاسِ أَنْفَعُهُمْ لِلْنَّاسِ

منذ 0 ثانية

أ. حسن أبو زيد - خَطيبٌ بِوَزارةِ الأَوْقاف

عَلامَاتُ القُرْبِ مِنَ اللهِ

منذ 0 ثانية

أ. سليم محسن الشرفا - خطيبٌ بِوَزارةِ الأَوْقافِ

النَّاسُ عَلَى دِينِ مُلُوكِهِمْ

منذ 1ثانية

د. وائل محيي الدين الزرد - خطيبٌ بِوَزَارَةِ الأَوْقَافِ

الوسائط

هدفنا الارتقاء بأداء العاملين في إدارة المساجد وتطوير الأنشطة المسجديةإقرء المزيد عنا

كُن على تواصل !!

آخر الأخبار

حملة التحذير من الشعارات الغربية والإباحية على الملابس

منذ 0 ثانية3393
مسجد الكبير - خانيونس

منذ 0 ثانية4718
دَاءُ مَجمُوعَاتِ التَّوَاصُلِ

منذ 0 ثانية3346
Masjedna © Copyright 2019, All Rights Reserved Design and development by: Ibraheem Abd ElHadi