شريط الأخبار

الهِجْرَةُ النَّبَوِيَّةُ.. وَدُرُوسُ الوَلَاءِ وَالانْتِمَاءِ

أحمد علي أبو العمرين - خطيب بِوَزارةِ الأَوْقَافِ منذ 0 ثانية 2846

لَمْ تَكُنِ الهِجْرَةُ النَّبَوِيَّةُ حَدَثاً عَابِراً، بَلْ لَهَا مَوْقِعُهَا المَفْصِلِيُّ فِي التَّارِيخِ الإِسْلَامِيِّ، وَإِنَّ فَهْمَ سِيَاقِهَا التَّارِيخِيِّ وَأَبْعَادِها التَّشْرِيعِيَّةِ بَعْدَ ذَلِكَ لَهُ دَلَالَاتُهُ العَمِيقَةُ فِي بَلْوَرَةِ الرُّؤْيَةِ الإِسْلَامِيَّةِ لِلْدَّوْلَةِ وَالوَلَاءِ وَالانْتِمَاءِ فِي المُجْتَمَعِ الإِسْلَامِيِّ.

فَقَدْ جَاءَتِ الهِجْرَةُ التِي تَمَّتْ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الثَّانِي بَعْدَ اسْتِجَابَةِ الأَوْسِ وَالخَزْرَجِ -أَهْلِ المَدِينَةِ- لِدَعْوَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حَيْثُ كَانَ يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَى القَبَائِلِ مِنْ خَارِجِ مَكَّةَ مُلْتَمِسَاً مِنْهُمُ النُّصْرَةَ وَالمَنَعَةَ لِدَعْوَتِهِ الجَدِيدَةِ، وَذَلِكَ بَعْدَ صُدُودِ قُرَيْشٍ وَمُحَارَبَتِهِمْ لِدَعْوَتِهِ، وَغَيْرَ مُكْتَفٍ بِالاسْتِجَابَاتِ الفَرْدِيَّةِ طَوَالَ السَّنَوَاتِ المَاضِيَةِ مُنْذُ بَدْءِ بِعْثَتِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

تِلْكَ الاسْتِجَابَةُ مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ التِي تُوِّجَتْ بِبَيْعَةِ العَقَبَةِ عَلَى النُّصْرَةِ الكَامِلَةِ وَحِمَايَةِ الدَّعْوَةِ الإِسْلَامِيَّةِ، فَتَشَكَّلَ بِذَلِكَ كِيَانٌ جَدِيدٌ لِلْإِسْلَامِ وَبِلَوْنٍ مُخْتَلِفٍ عَمَّا اعْتَادَتْهُ العَرَبُ مِنْ أَشْكَالِ الوَلَاءَاتِ التِي كَانَتْ تَقُومُ عَلَى العَصَبِيَّةِ وَالقَبَلِيَّةِ، لِيَظْهَرَ لَوْنٌ جَدِيدٌ مِنَ الوَلَاءِ الذِي يَقُومُ عَلَى العَقِيدَةِ وَالدِّينِ، هَذَا الوَلَاءُ الذِي أَكَّدَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِمُبَايِعِيهِ فِي العَقَبَةِ عِنْدَمَا قَالُوا لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الرِّجَالِ -أَيْ اليَهُودِ- حِبَالاً وَإِنَّا قَاطِعُوهَا، فَهَلْ عَسَيْتَ إِنْ نَحْنُ فَعَلْنَا ذَلِكَ ثُمَّ أَظْهَرَكَ اللهُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى قَوْمِكَ وَتَدَعَنا؟، فَرَدَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بِلِ الدَّمُ الدَّمُ وَالهَدْمُ الهَدْمُ، أَنَا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مِنِّي، أُحَارِبُ مَنْ حَارَبْتُمْ وَأُسَالِمُ مَنْ سَالَمْتُمْ» [رواه أحمد].

وَهَكَذَا يَتَّضِحُ بِجَلَاءٍ التَّوَجُّهُ النَّبَوِيُّ لِبِنَاءِ الكِيَانِيَّةِ المُسْتَقِلَّةِ لِلْإِسْلَامِ كَدَوْلَةٍ وَمُجْتَمَعٍ مُنْذُ فَجْرِ الدَّعْوَةِ، فِي مُقَابِلِ ادِّعَاءَاتِ فَرْدِيَّةِ التَّعَالِيمِ وَالقِيَمِ الإِسْلَامِيَّةِ وَأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ أَوْ لَا وُجُودَ لِلْدَّوْلَةِ فِي الإِسْلَامِ، هَذَا المُجْتَمَعُ الذِي تَقُومُ فِيهِ عَلَاقَاتُ الوَلَاءِ وَالتَّنَاصُرِ وَالأُخُوَّةِ فِيهِ عَلَى الدِّينِ وَالعَقِيدَةِ وَالإِيمَانِ سِلْماً وَحَرْباً.

وَلَمْ تَكُنْ أَبَداً تَرْكاً لِلْأَوْطَانِ، بِلْ فِرَارٌ بِالدِّينِ وَإِقَامَةٌ لِصَرْحِهِ الحَضَارِيِّ وَبِنَاءٌ لِلْقُوَّةِ القَادِرَةِ عَلَى اسْتِعَادَةِ الأَوْطَانِ مِنَ الظُّلْمِ وَالكُفْرِ وَالطُّغْيَانِ الذِي يَسْتَبِدُّ بِالْنَّاسِ وَيَسْتَعْبِدُهُمْ لِغَيْرِ اللهِ تَعَالى لِتَغْدُوَ دَاراً لِلْحَقِّ وَالنُّورِ وَالهِدَايَةِ، وَلِذَلِكَ كَانَتْ عَيْنُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى مَكَّةَ حَتَّى فَتَحَهَا فِي أَقَلَّ مِنْ ثَمَانِ سَنَوَاتٍ مِنْ هِجْرَتِهِ الشَّرِيفَةِ.

ثُمَّ جَعَلَ اللهُ تَعَالى الهِجْرَةَ مِعْيَاراً لِلْوَلَاءِ وَالانْتِمَاءِ لِهَذَا المُجْتَمَعِ الإِسْلَامِيِّ الجَدِيدِ، حَيْثُ قَالَ تَعَالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ [الأَنْفال:72]، وَلَا يَكْتَفِي بِالادِّعَاءِ النَّظَرِيِّ لِيُثْبِتَ بِهِ كَامِلَ الحُقُوقِ وَالوَاجِبَاتِ: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِّن وَلَايَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا﴾ [الأَنْفَال:72].

وَهَكَذَا فَإِنَّ الوَلَاءَ التَّامَّ بَيْنَ المُسْلِمِينَ مُتَرَتِّبٌ عَلَى هَذِهِ الهِجْرَةِ المُعَبِّرَةِ عَنْ كَامِلِ التَّضْحِيَةِ مِنْ أَجْلِ الدِّينِ وَالعَطَاءِ فِي سَبِيلِهِ وَالعَمَلِ مِنْ أَجْلِ رِفْعَتِهِ وَتَحْقِيقِ رِسَالَتِهِ الحَضَارِيَّةِ الكَامِلَةِ كَمُجْتَمَعٍ وَكِيَانٍ مُمَيَّزٍ، وَبِهَذَا المِعْيَارِ القَائِمِ عَلَى العَمَلِ وَالتَّضْحِيَةِ يَكْتَمِلُ الإِيمَانُ الحَقِيقِيُّ، قَالَ تَعَالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ۚ لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ [الأَنْفَال:74].

وَرُغْمَ أَنَّ الهِجْرَةَ بِمَعْنَاهَا الزَّمَانِيِّ وَالمَكَانِيِّ انْتَهَتْ بِفَتْحِ مَكَّةَ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ» [صَحِيحُ البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ]، إِلَّا أَنَّ بَدِيلَهَا الدَّائِمَ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَزَمَانٍ هُوَ الجِهَادُ وَالعَمَلُ لِلْإِسْلَامِ وَرِفْعَةِ التَّوْحِيدِ، «وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ» [صَحِيحُ البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ].

إِنَّ الانْتِمَاءَ لِهَذَا الدِّينِ لَيْسَ كَلِمَةً تُقَالُ وَلَا شِعَارًا يُرْفَعُ، وَإِنَّمَا هُوَ فِدَاءٌ وَبَذْلٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَنَشْرِ رِسَالَةِ الهِدَايَةِ وَالنُّورِ التِي جَاءَ بِهَا نَبِيُّهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَالتِي لَا تَتَحَقَّقُ بِكُلِّيَّتِهَا إِلَّا بِمَنْظُومَةٍ مُتَكَامِلَةٍ كَمُجْتَمَعٍ وَدَوْلَةٍ وَحَضَارَةٍ وَأُمَّةٍ ذَاتِ كِيَانِيَّةٍ مُمَيَّزَةٍ وَمُسْتَقِلَّةٍ عَنْ غَيْرِهَا مِنَ الحَضَارَاتِ وَالثَّقَافَاتِ.     

مقالات مشابهة

الهِجْرَةُ النَّبَوِيَّةُ.. وَدُرُوسُ الوَلَاءِ وَالانْتِمَاءِ

منذ 0 ثانية

أحمد علي أبو العمرين - خطيب بِوَزارةِ الأَوْقَافِ

الحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ

منذ 1ثانية

د. محمد كمال سالم - خطيبٌ بوَزارةِ الأَوْقَافِ

الأَسْبابُ التِي تُعِينُ عَلى النَّصْرِ

منذ 13 دقيقة

أ. بكر سليمان الزاملي - خَطيبٌ بِوَزارةِ الأَوْقاف

ما حكم الصدقة على السائلين في المسجد؟

منذ 13 دقيقة

شبكة مساجدنا الدعوية – فلسطين

الوسائط

هدفنا الارتقاء بأداء العاملين في إدارة المساجد وتطوير الأنشطة المسجديةإقرء المزيد عنا

كُن على تواصل !!

آخر الأخبار

الهِجْرَةُ النَّبَوِيَّةُ.. وَدُرُوسُ الوَلَاءِ وَالانْتِمَاءِ

منذ 0 ثانية2846
مسجد السيدة رقية - حي الشجاعية

منذ 1ثانية4004
مسجد البشير - رفح الشرقية

منذ 1ثانية3126
Masjedna © Copyright 2019, All Rights Reserved Design and development by: Ibraheem Abd ElHadi