شريط الأخبار

الفوضوية

أ. محمد عبدو - باحث شرعي منذ 0 ثانية 3393

ومن السلوكيات الخاطئة التي قد يُصاب بها الدعاة: عدم قدرتهم على تنظيم أوقاتهم وتحقيق التوازن اللازم لاستقامة حياتهم، والتنسيق الكامل بين متطلباتهم المختلفة دعوية كانت أم شخصية أو اجتماعية، واحتياجات أهليهم وذويهم، فكثيراً ما نسمع أنيناً في بيوت الدعاة من زوجة تشكو غياب زوجها الكثير، وعدم قدرتها على تحمل مسئولية البيت والأولاد بمفردها، وأنيناً من أبناء يفتقدون والدهم -الحاضر الغائب- ليشاركهم همومهم ومشاكلهم.

كما تسمع أحياناً أنيناً وشكوى من داخل الدعوة نفسها مفادها التقصير في أعمالها، وعدم تنفيذ مهامها لانصراف الداعية بكليته ناحية عمله الشخصي، أو اهتمامه الزائد ببيته وأولاده، وكأنهم يتعاملون مع مثل هذه القضية بنظام الاختيار الصعب: إما الدعوة وإما البيت أو العمل الشخصي.

والحقيقة أنه في غياب التوازن ودقة التنظيم في حياة الداعية يمكن أن تحدث تلك الفوضوية وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين أقرَّ سلمان -رضي الله عنه- حين زار أخاه أبو الدرداء، فوجده مبالغاً في عبادته، فأراد أن يُعلمه الموازنة بين أموره التعبدية، واحتياجات الآخرين من حوله، جاء في الحديث: »آخَى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكِ قَالَتْ أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا فَقَالَ: كُلْ قَالَ فَإِنِّي صَائِمٌ قَالَ مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ قَالَ فَأَكَلَ فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ قَالَ: نَمْ فَنَامَ ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ فَقَالَ: نَمْ فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ سَلْمَانُ: قُمْ الْآنَ فَصَلَّيَا فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَأَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- صَدَقَ سَلْمَانُ« [رواه البخاري].

ولعل حماسة الدعاة وأحياناً جهلهم بفقه الأولويات وراء ذلك السلوك الخاطئ، فأحياناً ما تكون الحماسة سبباً في ذلك حينما يبذل بعض الدعاة المتحمسين جهوداً في شتى المجالات، ويضربون بسهم في كل واد من أودية الدعوة، سواءً كان بحاجة أم بغير حاجة، وسواء أمكن التفويض في إحدى هذه المهام أم لا، ورغم هذا العطاء والرغبة الشديدة فيه إلا أن هذه الجهود غالباً ما تكون جهوداً ذات ثمره ضعيفة، لغياب الدقة والتركيز عنها، مما قد يؤدي إلى حدوث فوضى في كل هذه المجالات.

والأفضل أن يُركِّز الداعية على الأعمال التي يُحسنها، ويجيد العطاء فيها، وهذا ما يسمى "التوظيف الأمثل" وفي ذلك خير له ولدعوته من العشوائية وتشتيت الجهود، يقول الرافعي: "إن الخطأ الأكبر أن تنظم الحياة من حولك وتترك الفوضى في قلبك".

مثال: عندما يرى الداعية أبناءه وقد بدت عليهم ملامح التغيير، والدخول في مرحلة المراهقة التي هي أحرج مراحل العمر وأخطرها، مرحلة تكوين الشخصية وإثبات الوجود، والتمرد على المجتمع من حوله، ولا يلفت هذا التغيير الطارئ لابنه اهتمامه، لكثرة انشغاله في مهامه الدعوية الكثيرة، وغيابه المُتكرر عن البيت في ندواته ومحاضراته التي يُصلح بها بيوت الآخرين من حوله، حتى يُفاجأ بسلوك ابنه الذي انحرف عن جادة الطريق، وسلوكه طريقاً غير الطريق الذي يدعو إليه والده، وهنا تبدأ مرحلة تأنيب الضمير، والشعور بالتفريط في حق أقرب الناس إليه، والأقربون أولى بالمعروف كما يقولون.

توضيح: وحتى لا نظلم الدعوة، ونتهمها بأنها السبب في الكارثة، فالدعوة من ذلك براء، ذلك أن الدعوة لا تحمل أبنائها إطلاقاً على إهمال بيوتهم وإعمار بيوت الآخرين، لأنه يتنافى مع أهدافها الكبرى بعد إصلاح الفرد المسلم لنفسه وهو البيت المسلم، وما البيت إلا مجموعة أفراد.

ويبقى القرار في يد الداعية كي لا تدب الفوضى في حياته، أن يسعى إلى تحقيق التوازن بين متطلبات دعوته، واحتياجات بيته بما لا يُلحق الضرر بأحدهما.

مقالات مشابهة

الفوضوية

منذ 0 ثانية

أ. محمد عبدو - باحث شرعي

قلة الزاد العلمي

منذ 31 ثانية

أ. محمد عبدو - باحث شرعي

طاعة مفقودة

منذ 4 دقيقة

أ. محمد عبدو - باحث شرعي

الرحمة والحب

منذ 17 دقيقة

د. يوسف علي فرحات – داعية إسلامي

الوسائط

هدفنا الارتقاء بأداء العاملين في إدارة المساجد وتطوير الأنشطة المسجديةإقرء المزيد عنا

كُن على تواصل !!

آخر الأخبار

الفوضوية

منذ 0 ثانية3393
إِذَا انْتَقَدْتَّ فَكُنْ نَفْسَكَ!

منذ 7 ثانية2803
قلة الزاد العلمي

منذ 31 ثانية3129
Masjedna © Copyright 2019, All Rights Reserved Design and development by: Ibraheem Abd ElHadi